أن الثقافة الاستهلاكية باتت هي الثقافة الطاغية عند اغلب المجتمعات، المتقدمة منها والمتخلفة، ومشكلة هذا النوع من هذه الثقافة أنها تفرغ الثقافة من محتواها المعنوي، وبالتالي لا تنتج إلا وعيا زائفا وقناعات هابطة وهموما تافهة وأولويات مقلوبة وتفكيرا سطحيا وغير معمق.
وعندما نستقبل شهر رمضان، وهو شهر الله الذي أنزل فيه القرآن فليس من المستغرب أن نستقبله ببطوننا وليس بأرواحنا.
فبفضل هذه الثقافة الاستهلاكية صرنا في هذا الشهر الكريم ننشغل بتعمير الموائد وتوفير أنواع الطعام والبحث عن المسليات أكثر من الاهتمام بأنفسنا وأكثر من الاهتمام بتنمية جانبنا الروحي، بل إن أثر هذه الثقافة قد امتد حتى إلى الجانب الروحي وصرنا نهتم بالكم وليس بالأثر. فقراءة القرآن الكريم هي من أعظم أعمال هذا الشهر الفضيل، ولكن أيننا عن القيم القرآنية التي ينطق بها ويدعو إليها هذا الكتاب الإلهي العظيم، أيننا من قيمة الرشد والترشيد ونحن نحوّل هذا الشهر إلى شهر استهلاك مبالغ فيه وإسراف فيه الكثير من الاستهانة بالموارد الغذائية، وأيننا من قيمة المحبة ونبذ الكراهية ومجتمعاتنا باتت محاطة بكل أنواع الكراهية المذهبية والمناطقية والفكرية وغيرها ممن لم يعرفها حتى من سبقونا أو عاصرونا من المجتمعات الأخرى. إن أكبر مصيبة حلت في مجتمعاتنا في وقتنا الحاضر هي الكراهية وعندنا في هذا الشهر العظيم الذي يأتي على المؤمن بالبركة والمغفرة والرحمة فرصة عظيمة لتخليص مجتمعاتنا من هذه الكراهية، فلن ننال من بركات هذا الشهر ولن يحل في قلوبنا نور الله ونحن نعيش الكراهية في نفوسنا، ولن يستجيب الله لنا ويعطينا من كرمه ويمنحنا من فضله ويغدق علينا من رحمته ويتفضل علينا بمغفرته ويمنن علينا بحفظه وإحاطته إن لم نسأله وقد عمرنا قلوبنا بالمحبة وطهرنا نفوسنا من الكراهية.
شهر رمضان هو شهر مقدس والقداسة هي من المفاهيم المهمة والمحورية في الدين، فهناك أوقات مقدسة وأماكن مقدسة وشخصيات مقدسة وأفعال مقدسة وبإمكان الإنسان، ومن خلال طرق الخير والأعمال التعبدية أن يستجلب القداسة للزمن الذي يعيشه وللمكان الذي يتواجد فيه ولا نستطيع أن نفهم هذه الأمور ما لم نفهم معنى القداسة، وكيف يصير المكان مقدسا والزمن مقدسا والشخص مقدسا. فكل الموجودات هي أوعية يصب فيها فيض الله وينزل عليها من نور الله كل حسب قدرها وسعتها، وترتبط القداسة بما تستقبله هذه الأوعية الوجودية من النور الإلهي والفيوض الربانية، فكل ما استقبلت هذه الأوعية الوجودية المزيد من هذا النور الإلهي صارت أقرب من أن تكون وجودات نورانية، فالمقدس هو وجود نوراني بفضل غزارة ما يصله من نور إلهي ورحمة ربانية وإن كان بدرجات متفاوتة. فالمكان المقدس هو مكان مثله مثل غيره من الأماكن، ولكنه مكان وعاؤه الوجودي أوسع من غيره، وبذلك يكون نصيبه أكبر من النور الإلهي النازل على الوجود كله، فعندما يصلي الإنسان المؤمن أو يتواجد في المسجد أو في بيت الله الحرام أو في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنه يتعرض لهذه الزخات الغزيرة من النور الإلهي والفيوض الربانية، وبهذا يكون الجلوس في المسجد عبادة والصلاة فيه أفضل بكثير من الصلاة في غيره من الأماكن والركعة الواحدة في البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف تعادل مئات الآلاف من الركعات في غيره من الأماكن.
________________
مرجع المادة: http://www.aleqt.com/2011/08/05/article_566225.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق