في نهاية الأسبوع الفائت فقدت بلادنا واحدا من أفضل علمائها، ذلكم هو فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل ــ رحمه الله ــ الذي خدم بلده منذ حداثة سنه وحتى وفاته.
عاش فضيلة الشيخ ــ رحمه الله ــ نحو 100 عام، قضى منها نحو 60 عاما في أعمال القضاء، حيث عمل في أكثر من مدينة، ثم لازم سماحة مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم ــ رحمه الله ــ وكان واحدا من أهم وأفضل جلسائه، وكان سماحة المفتي يستشيره في كثير من الأمور، ويسند إليه الإجابة على كثير من أسئلة المستفتين.
تدرج الشيخ ــ رحمه الله ــ في سلك القضاء حتى أصبح نائبا لرئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيسا للجنة الدائمة للإفتاء، واستمر يقوم بتلك الأعمال حتى تقاعد من عمله قبل نحو 18 عاما.
اللافت في حياة الشيخ ــ رحمه الله ــ أنه لم يتوقف عن العطاء بعد تقاعده، بل أستطيع القول إن هذا العمل زاد كثيرا! فقد كان الشيخ يتفرغ لاستقبال طلاب العلم وعلى مختلف المستويات منذ الصباح الباكر وحتى يذهب للنوم، عدا ساعات الراحة التي يحتاجها كل إنسان، واستمر على هذا المنوال حتى مرضه الأخير الذي انتهى بوفاته.
في حياة الشيخ أشياء كثيرة تستدعي الاهتمام، لكن بعضها قد يكون أهم من الآخر، وسأشير هنا إلى خصلة واحدة جعلت من الشيخ محبوبا من الآلاف، وجعلت من كل من عرفه يلهج بمحبته والحديث عن خصاله.
التواضع الجم للكبير والصغير، العالم والمتعلم، كان سمة للشيخ في سائر شؤون حياته، وله في هذا الموضوع مواقف كثيرة يصعب حصرها.
ولعلي أشير هنا إلى أن ابتعاد بعض العلماء عن شبابنا، أو عدم التلطف معهم، أدى إلى كثير من المشاكل بين الشباب، كما أدى في الوقت نفسه إلى نفور مجموعة كبيرة من الشباب عن العلماء، مما أدى إلى وجود فجوة بين الطرفين أساءت إليهما معا، ولو فعل هؤلاء كما فعل شيخهم عبد الله بن عقيل لتغير كثير من الأمور في حياة شبابنا.
محبة الناس للشيخ جعلت من جنازته حدثا مهيبا، آلاف الناس تدافعوا لحضورها، والصلاة عليه، حيث أم سماحة المفتي المسلمين في مسجد الملك خالد، ثم صلى عليه الآخرون في المقبرة مرارا.
أما المعزون في منزله فهم بالآلاف كذلك، ومعرفة بمكانة الشيخ والمصيبة في فقده فقد كان خادم الحرمين الشريفين من أوائل المعزين فيه، وكذلك أعداد من الأمراء والوزراء ووجهاء المجتمع وعامة الناس، كل ذلك يدلل على محبة الجميع له وحزنهم على فقده.
كان الشيخ محبا لعمل الخير في حياته، وقد حرص ــ رحمه الله ــ على استمرار هذا الخير بعد وفاته، فأوصى بربع تركته لأعمال الخير وأوصى بعض أبنائه بإدارة هذا الربع وإنفاقه في سائر أوجه الخير.
عرف الشيخ بعلمه الواسع فكان يلقب بشيخ الحنابلة في عصره، كما عرف بعلاقاته الواسعة مع وجهاء عصره وتبادل معهم الرسائل والمعلومات، وأصدر بعضها في كتب، ولعل أبناءه الكرام يخرجون تراثه ليستفيد منه عامة المسلمين. الحديث عن الشيخ عبد الله ــ رحمه الله ــ ليس للثناء عليه فقط ــ مع أنه يستحق ذلك ــ ولكن لعل الآخرين يقتدون بسيرته العطرة، فنحن في أمس الحاجة لعلماء مثله، ولعل شبابنا يعرفون جزءا من تاريخهم الجميل فيفخرون به ويسيرون على نهجه.
_________________
مرجع المادة: http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20110913/Con20110913444381.htm
ومقالة أخرى:
http://www.aleqt.com/2011/09/15/article_580500.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق