يقول كاتب المقالة، وأظنه د. خالص الجلبي:
.. وأنا شخصيا عرفت أثناء إقامتي الطويلة في ألمانيا أن المجتمعات الرأسمالية، قامت بتطعيم مجتمعاتها بلقاح مدهش
ضد انتشار الشيوعية فيها، من حقن (اشتراكية) بإدخال مؤسسات الضمان الاجتماعي، وبقي على المجتمعات الشيوعية أن تسعى جهدها لتحقيق نموذج المجتمع الرأسمالي، ومازلت أتذكر مناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على إدخال ألمانيا نظام الضمانات الاجتماعية إليها في عام 1982 م .
والفرد اليوم في الغرب يتمتع بضمانات منوعة ضد المرض والشيخوخة والتقاعد والبطالة وحوادث العمل، كما أن رواتب العمل توزع حسب الجهد وليس على الجنسية، وهذه كلها ترعاها مؤسسات عملاقة عريقة، ومايسمى نظام المساعدة الاجتماعية هو إعلان مدهش أن الإنسان في الغرب لن يموت جوعا، بل يمنح مساعدة هي حقه الطبيعي وليست صدقة أو منة، تسد له رمقه وتستر له عورته، وتؤمن له سقفا يظله، أي ضمانات الجنة الفيزيولوجية، التي تعتبر قاعدة هرم الحاجيات الإنسانية.
وانتبه إلى هذه القاعدة المصيرية (قاعدة العدل) لابن قيم الجوزية، حينما أشار في كتابه أعلام الموقعين إلى القاعدة الذهبية
(فحيث العدل فثم شرع الله)
وعندما قرر عمر - رضي الله عنه - نصيباً للذمي العاجز، لم تنم هذه المبادرة إلى مستوى المؤسسات، وتمت مصادرة بيت المال إلى جيوب سلالات من الحكم، حرصت على الفتوحات أكثر من العدل، حتى صرخ عمر بن عبد العزيز صرخته: إن الله أرسل محمدا هاديا وليس جابيا؟
كانت مهمة الدين إذاً (أرضية) بإقامة (العدل) في مشروع ضخم، فالاقتراب من روح العدل هو مشعر التمييز في إسلامية المجتمعات، وليس المظاهر أو الألقاب ورفع الشعارات، وتبقى الحقيقة أقوى من كل مظهر، والإسقاط الواقعي لفكر التوحيد في المجتمع هي حذف كل مظهرٍ ألوهية للبشر بتحقيق كلمة السواء (ولايتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).
والحضارة هي ذلك المجتمع الذي يوفر (الضمانات) للأفراد الذين يعيشون فيه.
واعتبر المفكر (مالك بن نبي) أن الحضارة الإسلامية انطفأت مع الأسطر الأخيرة لابن خلدون في مقدمته عندما قال: (وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة).
_______________
مرجع المادة: http://www2.aleqt.com/2008/01/24/article_11304.html
مقالة عجيبة يا خالص يا دكتور ..
ردحذف