قال الرازي رحمه الله في تفسيره:
كُلَّ مَخْلُوقٍ يَجِبُ أَنْ يَكونَ مُسْتَعِيذًا بِاللَّه، وقد حكى القرآن الكريم لنا عددًا من استعاذة الأنبياء والمرسلين والأولياء بربهم ولجوئهم إليه ..
أحد الأشخاص بالقرب من مكان سفينة نوح على جبل جودي
{رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هُودٍ: 47].
فَعِنْدَ هذا أعطاه الله خُلْعَتين (أي: نعمتين)، وهما السلام والبركات، وهو قوله تعالى:
{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ} [هُودٍ: 48].
عمامة يزعمون أنها تعود للنبي يوسف عليه السلام
وَالثَّانِي: حَكَى عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا رَاوَدَتْهُ قَالَ:
{مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ} [يُوسُفَ: 23].
فَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خُلْعَتَيْنِ: صَرْفَ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ، حَيْثُ قَالَ:
{لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ} [يوسف: 24].
والثالث: قال أحد أخوة النبي يوسف له:
{فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ} [يُوسُفَ: 78]. فَقَالَ:
{مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ} [يُوسُفَ: 79].
فَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} [يُوسُفَ: 100].
الرَّابِعُ: حَكَى اللَّهُ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ قَوْمَهُ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، قَالَ قَوْمُهُ: {أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} [الْبَقَرَةِ: 67].
فَأَعْطَاهُ اللَّهُ خُلْعَتَيْنِ: إِزَالَةَ التُّهْمَةِ، وَإِحْيَاءَ الْقَتِيلِ. فَقَالَ:
{فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ} [الْبَقَرَةِ: 73].
مسار العبور، على قول من يقول: أن موسى عليه السلام عبر مصر إلى الجزيرة العربية.
{وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} [الدُّخَانِ: 20]. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:
{إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ} [غَافِرٍ: 27].
فَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ، فَأَفْنَى عَدُوَّهُمْ، وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ.
وَالسَّادِسُ: أَنَّ أُمَّ مَرْيَمَ قَالَتْ:
{وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ} [آلِ عِمْرَانَ: 36].
فَوَجَدَتِ الْخُلْعَةَ وَالْقَبُولَ وَهُوَ قَوْلُهُ:
{فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً} [آلِ عِمْرَانَ: 37].
وَالسَّابِعُ: أَنَّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ لَمَّا رَأَتْ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ بَشَرٍ يَقْصِدُهَا فِي الْخَلْوَةِ قَالَتْ:
{إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}[مَرْيَمَ: 18].
فَوَجَدَتْ نِعْمَتَيْنِ: وَلَدًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَتَنْزِيهَ اللَّهِ إِيَّاهَا بِلِسَانِ ذَلِكَ الْوَلَدِ عَنِ السُّوءِ
وَهُوَ قَوْلُهُ:
{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مَرْيَمَ: 30].
الثَّامِنُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قال: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 97، 98].
وَقَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]. و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [النَّاسِ: 1].
وَالتَّاسِعُ: في أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ:
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الْأَعْرَافِ: 199، 200].
وَقَالَ فِي حم السَّجْدَةِ:
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فُصِّلَتْ: 34].
إِلَى أَنْ قَالَ:
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فُصِّلَتْ: 36].
.. فَهَذِهِ الْآيَاتُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا أَبَدًا فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.
_______________________
المراجع:
- ببعض التصرف من: تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 77). المكتبة الشاملة
- مرجع صورة الكتاب http://www.alexandriaec.com/product.php?id_product=2474
- مرجع صورة مكان ولادة مريم عليها السلام http://forum.sedty.com/t422606.html
- مرجع صورة عمامة النبي يوسف، عليها توقيع haqaonlaine.com . لكني اقتطفتها من منتدى:
http://roohalislam.alafdal.net/t153-topic
- مرجع صورة الجودي والسفينة http://www.quran-m.com/firas/arabicold/print_details.php?page=show_det&id=1391
- مرجع صورة مخطط العبور عليها توقيع لكني لم أستطع التحديد، لكني اقتطفتها من منتدى:
http://www.dlu3at.net/vb/article49168.html
قلت: فتحصل من هذا، أن هناك عطايا ومنحا، لا تنال إلا "بمقام الاستعاذة بالله تعالى" واللجوء إليه لطلب الحفظ والصون من الأعداء.
ردحذفوالملاحظ أن النبي يوسف حينما كان يستغيذ بالله قال بلفظ: "معاذ الله" وقد ورد مرتين. والله أعلم.
ردحذف