إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 6 يناير 2012

حين يكون لديك كثير من المال: فإنك ترفض الحديث عنه


لوسي كيلاوي من لندن


إن دخول الجَمل في سَم الخِياط أهون من أن يدخل أحد الأغنياء إلى استوديو الإذاعة ويتحدث عن ثروته.
هذا درس تعلمْتُه وأستطيع أن أشهد على صحته، بعد أن أمضيتُ وقتاً كثيراً في الفترة الأخيرة أحاول إقناع البريطانيين من ذوي الثراء الواسع بإجراء مقابلات في الإذاعة حول نظرتهم وتعاملهم مع ثرواتهم.
كان هدفي هو معرفة كيف يؤدي امتلاك الثروة إلى تغيير حياة الناس وعلاقاتهم وقيمهم، وعاداتهم في التسوق. ونظريتي هي أن من الصعب على نحو يثير الاستغراب أن يكون المرء جيداً في امتلاك المال، بل إنه أصعب من الحصول على المال في المقام الأول.
لعل السبب في ذلك يعود إلى الركود الاقتصادي، الذي جعل المال أمراً لا ينبغي أن نأتي على ذكره أبداً. ولعل هذه سمة خاصة بالبريطانيين. لكن على مدى عدة أشهر حاول منتجو البرنامج الإذاعي ما وسِعهم. لم يجدوا صعوبة في حمل الناس على الحديث علناً عن العمليات التي أجريت لهم لتغيير الجنس، أو عن الطلاق، أو عن إصابتهم بانهيار عصبي، وما إلى ذلك من الأمور التي يُكرَه المرء عليها. لكن عند طلب الحديث عن الثروة؟ كانوا يعتذرون عن الحديث دائماً. وفي النهاية، بعد أن رفض نحو 200 شخص الحديث في الإذاعة، تقدم ثلاثة أشخاص كان لديهم من الشجاعة ما يجعلهم يتحدثون في البرنامج.
الفكرة الخاصة بهذا البرنامج خطرت على بالي أثناء حفل عشاء في الصيف الماضي، حين كنتُ أتحدث مع أحد رواد المشاريع الذي جمع ثروة مقدارها 400 مليون جنيه استرليني وكان يرتدي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ملابس بالية من متاجر ماركس آند سبنسر. وحين سألته كيف ينفق أمواله؟
قال: إنه إضافة إلى التبرع بمبالغ كبيرة لأعمال البر والإحسان، ساهم في دفع الرسوم المدرسية لأبناء وبنات إخوانه وأخواته، لكن إخوانه وأخواته كانوا يشعرون بالامتعاض مثلما كانوا مقدرين للجميل.
رغم مهارته في صنع المال، إلا أنه لم يكن يبدو أنه ماهر في امتلاكه، أو بالأحرى كانت طريقته في امتلاك المال هي التظاهُر بأنه لا يمتلك مالاً، وهو أمر اعتبرته مثيراً للإعجاب بقدر ما كان هباءً إلى حد ما.
سؤالي الآن: ما الذي يجعل الإنسان جيداً في امتلاك المال؟
كل شخص من الأشخاص الثلاثة الذين قابلتهم كانت له تجربة مختلفة تماماً حول المال، وهو أمر لعله ليس من قبيل المفاجأة، على اعتبار أن الغنى يعطي الإنسان خيارات متعددة.
وباقتباس أحد أقوال تولستوي لكن بطريقة معكوسة، فإن الفقراء كلهم سواء، لكن الأثرياء كل ثري على طريقته. (هذه جملة مشهورة من تولستوي، وهي أول جملة من رواية أنا كارنينا: كل الأسر السعيدة متشابهة، أما الأسر غير السعيدة فإن كل أسرة تعسة تكون تعسة على طريقتها). كانت المقابلة الأولى مع امرأة من رواد المشاريع، وكانت شبيهة بالشخص الذي التقيت به في حفل العشاء، لكن بطريقة أقوى منه. فقد كانت في غاية التعاسة حول ثروتها، إلى درجة أنها رفضت الحديث معنا على الراديو إلا إذا امتنعنا عن ذكر اسمها.
نشأت هذه المرأة على فكرة أن الأغنياء ليسوا من الناس الطيبين. وبالتالي حين اكتشفت أنها عضو في نادي الأثرياء بعد أن تم تعويم شركتها الخاصة، شعرت بالخشية من أن أصدقاءها – خصوصاً الرجل الذي التقت به منذ فترة قريبة، والذي كان من أصحاب الرواتب المتوسطة – سينظرون إليها نظرة مختلفة.
وقالت: إنها تشعر بالارتياح الآن بخصوص ثروتها، بعد أن تعلمت كيف تتصرف فيها بكفاءة، لكنها ما تزال تشعر أن الناس الذين يعلمون مدى ثروتها يعاملونها بطريقة غريبة – بمعنى أنهم يعاملونها بقدر أكبر من المراعاة والتبجيل يفوق اهتمامهم بآرائها – على نحو يختلف عن تعاملهم مع الأشخاص الذين لا يعرفون مدى ثروتها.
كان الشخص الثاني، أقدر بخصوص التعامل مع ثروته، من حيث إن من الواضح أنه كان يستمتع بها. كان يسعى بصورة متعمدة إلى تجميع الثروة؛ وبعد أن فعل ذلك وجد أنه حين يكون لديك سيارة من طراز ماسيراتي وطائرة خاصة فإن الحياة ستكون أمتع مما لو لم تكن لديك هذه الأشياء. لكنه لم يكن قانعاً. فقد أراد أن يتسلق أكثر على سلم الثروات، في سبيل خلق مزيد من الوظائف للآخرين وفي سبيل شراء طائرة أكبر لاستخدامه الخاص.
الشخص الثالث، ورث قسماً من ثروة والده الضخمة. كان دائماً غنياً وكان يكثر من التبرعات إلى الفنون. لكن حين سألته إن كانت ثروته قد أدت إلى انعزاله عن الناس، قال إنه سيكون معزولاً في جميع الأحوال. وحين سألته حول ما فعله المال لأطفاله، عبس ولم يرغب في الحديث عن هذا الأمر.
الشيء الوحيد المشترك بين هؤلاء الأشخاص فائقي الثراء هو أنهم اعترضوا جميعاً حين طبًّقْتُ هذا الوصف عليهم.
وعلى الرغم من أن أسماءهم كانت ضمن أسماء أغنى ألف شخص في بريطانيا، لم يكن هناك واحد منهم يرى نفسه على هذا النحو.
لعل السبب في ذلك هو أن الشخص حين يقَيِّم ثروته يغلب عليه أن ينظر إلى الأعلى وليس إلى الأدنى. بصرف النظر عن مدى ثروتك، سيكون هناك شخص آخر أغنى منك.
وحين تكون طائرتك الخاصة سائرة على مدرج المطار باتجاه المكان المخصص لوقوفها، فطالما أن الطائرة المجاورة كانت أكبر من طائرتك، فهذا يعني في نهاية المطاف أنك لست غنياً إلى هذه الدرجة.
حين أتأمل في هذا الموضوع أجد أنني مذنبة كذلك لأني أحمل النظرة نفسها. فأنا لا أصف نفسي مطلقاً بأني غنية لأنني أرى أناساً أغنى مني. ولكن حيث إن دخلي يضعني في خانة أعلى 2 في المائة من السكان في بريطانيا، فهذا يجعلني غنية.
ما هو إذن شعوري تجاه مالي؟ إن عملي في هذا البرنامج جعلني أفكر في مقدار المبلغ المثالي للثروة، وأظن أني اقتربت منه.
المقدار المثالي يعني: أن لديك من المال ما يجعلك لست مضطراً أبداً إلى الشعور بالقلق حول توفُّر المال للحالات الطارئة. لكنه ليس كبيراً إلى درجة تجعلك تشعر بالتوتر حول كيفية إنفاقه، أو الشعور بالقلق من أن أولادك سيتزوجون من نساء لا هَمَّ لهن إلا اقتناص المال والهدايا الثمينة منهم.
أدركتُ أني لا أمانع في الحديث عن المال. لكن ما أعترض عليه هو التفكير في المال. يتعين على الفقراء التفكير في المال طول الوقت. ويتعين هذا على فائقي الثراء كذلك.
 أما بالنسبة لي فإن المقدار المثالي من المال هو حين لا يتعين عليك أن تفكر فيه على الإطلاق.

______________________________
مرجع المادة:   http://www.aleqt.com/2012/01/06/article_613663.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق